arablog.org

جســـــدها ملكــــها وليس شرفكم

استعمل الجسد الأنثوي في معركة تحرير المرأة كلافتة إشهار لمضمون البضاعة السياسية التي تقدمّها الأطراف الدينية أو الحداثية .. فالجسد المحجب هو جسد صالح وطيّب والجسد السافر هو جسد عاهر ومتفسخ إذ تحكم النظرة الأخلاقية حضور الجسد في العالم .

وقد إنساق وراء هذه الثنائيات بعض النخب التي غذت الصراع الوهمي حول حرية المرأة مثلا من خلال تشجيع تعرّي أمينة فيمن وحصرت المعركة بين حريات كاملة أو منقوصة بقيت للأسف على مستوى الجسد الذي بقي نقطة البدء في موضوع قضية المرأة هذه القضية التقدمية والتي تبدأ بطرح رجعي جسد المرأة العورة والفتنة .

يؤسس بعض المنتقدين لليسار التونسي لحظة نقدهم إنطلاقا من الجسد الأنثوي من بعض الممارسات الشخصية لبعض مناضلي اليسار تجاه المرأة التي يستخدمونها وليمة جنسية على أفرشتهم مغلبين غريزتهم الحيوانية على نظرياتهم الفكرية

وينطلق بعض المتحمسين لقضية المرأة ودفاعهم عنها بفضح أدعياء الحداثة الذين يبتزون المرأة في جسدها مما يكشف زيف شعاراتهم التي تهاوت امام الجسد الفتنة حسب ما صوره الدين والثقافة وبعض الفلسفات المثالية وحسب ما تبيّنه ممارستهم لم تخرج المرأة من بوتقة الكائن المغري الذي يسيل لعاب الذكر رغم محاولة الحفر في العقلية الذكورية التي إبتدأت منذ قرون رغم الضغوط التي كانت تمارسها الأصولية أمس واليوم ولأن الحداثة تعني إلتزاما متواصلا بعملية النقد والنقد الذاتي حسب عبارة أدونيس فإن علينا مواصلة التصدّي للأفكار الرجعية التي لا يعود أصلها إلى الدين فقط بل أيضا إلى ثقافة المجتمع .

يبدأ بعض معارضي اليسار نقد اليسار من ممارساتهم السيئة تجاه جسد المرأة مما يجعل هذا الجسد الأنثوي مقياس حرارة بين الشرف والعهر فهم عن قصد أو غير قصد يطبعون عليه لمسة أخلاقية مما يجعل المرأة إزدواجية الحضور بين أخلاقها وجسدها سأفسر كالاتي : إن كانت المرأة طيّبة الأخلاق ومتحررة الجسد فهي عاهرة وإن كانت دميمة الأخلاق ومحافظة الجسد فهي شريفة وإن كانت رائعة الأخلاق ومحافظة الجسد فهي أكثر من ممتازة ويجب الظفر بها وكأنها حور عين الدنيا نفس تلك الحور التي صورّها الله بكونها لم يطمثها جان ولا إنس .
يعود هذا إلى الثقافة العربية المتخلفة التي عنونت من الجنس معيار أخلاقها وبه تقاس المرأة درجة شرفها وعفتها ولا يهم إن فقدت عفتها المعنوية فالعفة الظاهرية هي دليل شرفها تلك قطرات الدم التي تسال تكفي أن تخرس مجتمعا بأكمله ولا يهم إن كانت عاهرة فكريا في مجتمعات تتبنى خطاب الأخلاق الظاهرية دون طرح حقيقي لمفهوم الأخلاق أو الشرف نشير هنا إلى أن بعض النساء تستبطن دونيتها فهي تعيد إنتاج قيم المجتمع الذي تعيش فيه ربّما لتكسب ودّ الذكورة العربية التي تعطيها حقّ التواجد في المجتمع .

المتابع للشأن العام التونسي يلاحظ إنتقادات لصحفيات أو ناشطات على مستوى أخلاقهن والتي تظهر فضائحهن وغيرها من الإيتيكات الأخلاقية إن تعارضت مواقفهن مع الأصولية السياسية والتي تخرج اساسا عن لبّ الموضوع فلم يعد موقف الناشطة مرتهنا بالنقد بل سلوكها أيضا ” فلانة كانت طايحة مع فلان وفلانة كان فلان يريقل فيها ” وغيرها من المواقف التي تظهر المرأة في مظهر المفعول به جنسيا لا الشريك في عملية الجنس ربما الحقل اللغوي العربي يساعد أساسا في تمرير فكرة المرأة المفعول بها كعبارة “وهبت جسدها” وكأن هذا الجسد مفصول عن المرأة مثل قطعة أثاث أو مصوغ يمكن أن تهبه أو تعيره لمن تشاء ربما يعود هذا إلى المخزون الإجتماعي الذي يمارس الوصاية على المرأة وجسدها وكأنها لم تبلغ من الوعي ما يمكنها من الأهلية في التصرف في جسدها كما تشاء هي ، فلم يسبق أن تعودنا في لغتنا أو في ثقافتنا أن نعتقد أن المرأة تشارك الجسد الذكوري لحظات متعة فهي في المخيال الإجتماعي لا تستجيب إلا لإملاءات غريزة الرجل لتشبع شهواته .

يذهب البعض إلى مراقبة النساء في خلواتهن وهو سلوك في نظري سلوك أقرب إلى عمل هيئة الأمر بالمعروف والنهي على المنكرإذ لا يقل هذا السلوك وخطابه بشاعة عن السلوك و الخطاب الأصولي الذي بدأ الحديث عن المرأة إنطلاقا من جسدها وكأن علامات الأنوثة على جسدها يطبع بها حضورها في العالم : تغطى السوأتين في الخطاب الأصولي وتبرز السوأتين بشكل مثير في خطاب مجتمع الحداثة الذي أيضا نال من المرأة وتناولها كأنها منتوج تجاري قبل أن تكون مواطنا .
إن لم تحرر المرأة نفسها فلن يحررها أحد لا ملايين المحتفلين بعيد المرأة العالمي كل يوم 8 مارس أو الالاف الذين يهبون لنصرتها كل يوم 13 أوت في عيدها الوطني .

كتبت خولة الفرشيشي

copy-paris-paris.jpg

1 Comment

  1. zinegheboulizineghebouli

    تدويناتك تعجبني للغاية فشكرا لك 🙂 لدي عتاب بسيط قبل أن أبدأ النقاش: الأفكار الرجعية ليست نتيجة دين من الأديان و إنما هي نتيجة علماء هذا الدين. الدين لم يصور المرأة على أنها فتنة و إنما حماها في زمن معين كان الناس يستغلونها فيه و المشكلة التي وقعت هي أن بعض الأصوليين و علماء الدين اعتبروا أن المرأة ناقصة عقل و دين و هذا خطأ و لم يأت به أي دين من الأديان بل حسبما قرأت (و لا زلت أقرأ لكن على الأقل توصلت إلى نتائج معينة) تفسير النصوص الدينية هو ما أدى إلى الأفكار الرجعية. أعود إلى صلب النقاش: أتفق معك تماما، و لقد لاحظت هذا الأمر في دعوة إحدى السلفيين الجزائريين إلى ابعاد النساء عن شواطئ البحر بسبب العري! و كأن الشاطئ ملكه و شخصيا لو التقيت بهذا السلفي سأقول له: لماذا لا ترى في المرأة غير ما تسميه أن بالزينة و الفسق و أسميه أنا بالأنوثة؟ مشكلة المجتمع العربي حينما يتعلق الأمر بالأنثى هو تصويرها على أنها كنز ثمين يتحمل مسؤولية الحفاظ عليه كل فرد في المجتمع و الحقيقة هي أن الأنثى مثلها مثل الرجل إنسان أو كائن بشري و فقط و لا فرق بينهما (طبعا هناك فرق بيولوجي و في الجسد لكن فكريا و في باقي الأمور الحياتية لا فرق) و أعتقد أن تصوير الانثى على أنها فتنة هو نتيجة الكبت الجنسي الذي يعاني منه الشباب، حيث في بلدي مثلي أجد أغلب الشباب الملتحي يعمل كتاجر للملابس الداخلية الخاصة بالنساء: يعني يعاني من كبت و يريد أن يخرجه بأي شكل ممكن. و أختم تعليقي بمقولة تعجبني: في الوقت الذي تتعرض فيه بلداننا إلى اغتصاب من طرف الحكومات فإن الشرف لدى العرب لا يزال مرتبطا ببكارة الأنثى و فرجها!

    Reply

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *