قال شاعر المرأة ذات يوم : يا امرأة أعطتني الحب بمنتهى الحضارة و حاورتني مثلما تحاور الغيثارة …
ويقول بعض مثقفي تونس ، دعاة التحرير و التنوير في جلساتهم الخاصة : “لا أؤمن بالصداقة بين المرأة و الرجل ” مع تقييم طفيف لسلوك الرفيقات و الكاتبات و المثقفات ، وكل ما يحمل تاء التأنيث يتعرض لنقد خفيف و طفيف و ليس من باب الرحمة و الرأفة بل تفاديا لتهمة الذكورية و الماتشيزم ، يكتفي إخواننا ببعض الإشارات .
تلك الإشارات الطفيفة تقول أن المرأة المثقفة عندما تلج أحد أبواب السياسة او الصحافة أو الابداع الفني فهي تبحث عن نقص ما تستكمله بالمشاركة في الحياة العامة و بمعرفة الناس . القصد من الناس طبعا الذكور ،
إنها إشارات أصحاب الجينز الأمركي و الحساب الفايسبوكي تفوح منها روح جاهلية الممتلئة بروايات كيد الجواري و غباء الحسناوات و حريم القصور .
هؤلاء ، لم يفهموا بعد أن ، معنى الصديق لا يعني بالضرورة معنى الصاحب باللغة العامية التونسية ، الصديق هو من نتبادل معه أطراف الحديث و نسال عن أحواله و نجامله و نشاركه افراحه أما معنى الصاحب في لغتنا فهو شريك في علاقة حميمة تقام بين اثنين لا ثالث لهما التأكيد على الرقم مهم جدا ، نظرا لكثرة عدد متعددي العلاقات ، من يرفضون تعدد الزوجات في مقابل تعدد الخليلات و الحبيبات .
هؤلاء نفسهم الذين تغريهم كتابات محمود درويش وسميح القاسم وغارسيا مركيز ونوال السعداوي وأحلام مستغانمي وهؤلاء الذين يخطبون في المنابر والجامعات عن الحرية والنضال من أجلها هم نفسهم الذكور الذين لم يستسيغوا بعد أن تكون المرأة شريكا فاعلا في الوطن والحياة والسياسة والنضال هي مجرّد بضاعة أتقنوا تسويقها في المحافل والأعياد الوطنية لتكسد بعد في بيوتهم وفي عقولهم أيضا .. هم نفسهم الذين يختلفون مع رفيقاتهم فينعتوها بالعاهرة لأنّها تحررت كما امنوا هم بالحرية ولكن ليس من حقها أن تتحرر وإن كان لها هذا فليس من حقّها أن تختلف وأن تغرّد خارج السرب
تقدميّ يساري يكفر بالظلامية والرجعية يجاربها ويسميها حتى الفاشية ولكن يتفق مع الرجعيين في ممارستهم حول المرأة .. كليهما يخاف حرية المرأة فنحن لا نملك يسارا كلّ الحكاية أنّ اليمين إعوج قليلا فأصبح يسارا .. جرّب أن تجلس أو أن تحادث بعض تقدمييّ عن نضالات إمرأة سيحدثك عن أوّل عشاقها ومن صاحبت ومن رافقت ومن أحبّت .. ثم سيروي لك إن تيسر له الوقت عن بعض إنجازاتها .. هم نفسهم الذين يتربصون بك في الفيسبوك يراودون ويراوغون إمرأة ما تكتب بجرأة وتنشر صورها وتحتفي بالحبّ والحياة فيظنها لقمة سائغة للجنس وإن لم تسقط لليلة سيحاول إسقاطها بالحبّ والغزل والهيام وقصائد درويش وأغاني أم كلثوم للحبّ ليكون فاتحة الجنس ثم يمرّ لفريسة أخرى .. نحن نعيش بين ذكور يظنون أنهم صيّادون فرائسهم النساء.
هواة الصيد لا يحتملون بطبعهم السلام مع الغزلان فالحياة عندهم صيد و طريدة تقوم على وضع خطط إستراتيجية على المدى البعيد أو المدى القريب و هذا مرتبط بنوع الهدف و جغرافيته و تضاريسه . و عليه لا يمكن لهم إتخاذ دور الصديق نظرا لما تحمله “صداقة” من رحمة و تبادل أفكار و وود و تواصل و سند و دعم و مشاعر صادقة
ولان الصداقة تعني علاقة خارج حدود أمتار غرفة النوم ، علاقة مساحتها الشوارع و المقاهي و الفضاءات العامة لا تقدم إنتصارات و لا تضيف شيء لذلك البدوي المتخفي بوصايا لنين في الحب .
يفضل هؤلاء علاقة العشيق لأنها الاطار الوحيد الذي يمنحه بعض الفحولة و يعطيه مكانة “عليا” و سيادة و قوة و إنتاجية وحدها مكانة العشيق تمكنه من الثرثرة بعد أن قضى اليوم صامتا أمام تلك الانتهاكات المتعددة ، وحدها صفة العشيق تأتي ببعض التوازن النفسي و تمنحه مصالحة مع روحه الداعشية .
بين العشيق و الصديق الاف السنوات الضوئية من محاولات نفض غبار عصور التفخيذ و الحريم و الطائفية …
بين العشيق و الصديق رحلة حضارة.
كتبت خولة الفرشيشي ومها الجويني