arablog.org

حين يعرّينا الإفتراضي ويكشف عورات مجتمعنا

يتميّز المجتمع العربي بانفصامه النفسي بين بنيتين : مجتمع تقليدي_ حداثي، مجتمع رجعي _ظلامي مجتمع يستبطن في داخله قيم الثقافة الرسمية وينفيها خارجا على تضاريس جسده في مظهره الخارجي كمواكبة الموضة واللحاق بآخر الصيحات العالمية التي تنطلق من العالم الحديث الذي يتعارض مع ثقافة المجتمعات العربية ويظهر هذا الإنفصال أيضا على مستوى خطابه الشفوي وبعض ممارساته التي تتنافى مع قيم المجتمع التقليدي وكأن هذه الكتلة المادية تفصل بين لحم المجتمع ولحم الجسد .

على تخوم الجسد تتهاوى الثقافة الرسمية التي تحضر في لقطة جسدية عابرة “جنس أو خمر أو قراءة أو كتابة نص خارج عن ثقافة السائد والمألوف ” تمرّ هذه اللقطة ضمن المسكوت عنه حين اللقطة العابرة وبعدها ليستيقظ الوعي ويحاول النقد والحفر في الفعل المادي والتملص منه فمحاولة النقد الظاهري كالإستتابة مثلا أو الندم أو حتّى تجاهل ما حدث وإلغاءه من الذاكرة لا تؤسس لحالة وعي للغرائز والرغبات الإنسانية في التحرر من القوالب الجاهزة والتي إنجر عنها الفعل المادي بل بالعكس تزيد الوضع قتامة بالتهرب من المادي نحو المثالي أو اللامادي وكأن التمترس بين الجسد والوعي في الثقافة الأصلية حالة مستهجنة بل علامة من علامات الخطر .. كلما تهترئ الثقافة الأصلية من الداخل ترتق نفسها من الداخل لأنها تجد الحل لكل خطأ الذي يتوافق مع منظومتها الإلزامية فمحاولة البحث عن حلّ من خارج المنظومة هي محاولة للنفي من الداخل نحو الخارج .

يتحرك الفرد في المجال الإجتماعي عبر ثنائية : الإخفاء والإظهار ويعتبر هذين الفعلين بمثابة مسافة إجتماعية تضمن للفرد حرية التنقل في الفضاء دون عراقيل في التواصل مع الآخر الذي يمثل له حصانة إجتماعية فكل فرد منّا في البنية الإجتماعية هو حامل للقيم التوافقية ومجرّد التواصل معه هو تواصل مع المجتمع وقيمه .. أنا موجود لأنّ الآخر يعترف بوجودي بل ويضمن وجودي .

ربّما تمثل شهادة الآخر في حقّ الآخر بطاقة عبور بل كينونة في المجتمع فكلّما رفض الفرد من الأفراد شركائه في المجال الإجتماعي هو عبارة عن موت ضمني له ولو كان على قيد الحياة .. رغم محاولة الكثير منّا البحث عن الخلاص الفردي الذي ينشده من خلال الدراسة والعمل والزواج إلاّ أنّه قبل أن يحقق خلاصه الفردي يجب أن يمرّ من خلاصه من الجماعة التي ستزكيه وتبارك خلاصه الفردي ..

بعد ظهور الشبكات الإجتماعية على الشبكة العنكبوتية حقق الفرد نوعا من التناغم بين أفكاره التي لا يستطيع التعبير عنها في الخارج وبين رغبته في الإفصاح عنها حتى يمررها لغيرها أو يكتشف من يدعمها ويساندها في الآخر عكس الآخر الذي صدرّه المجتمع الرسمي في الواجهة لأنّه على مقاييسه ومعاييره التي لا يستطيع الخروج عنها .

نستطيع القول أنّ هذه الشبكات الإجتماعية كالتويتر والفيسبوك وغيرها قد حققت نوعا من الهوية الإجتماعية التي فقدها الفرد في مجتمعه الأمّ مما ولدّ حالة إغتراب وإنفصام أو إنفصال عن المجتمع التقليدي فكانت الشبكات الإجتماعية ملاذ البعض لتحقيق الكينونة الضائعة أو المسحوقة في الخارج فعلى سبيل المثال تصبح كلّ الأفكار نسبية لا تخضع لسلطة الثابت أو المقدس قابلة للنقد والتحاور وتصبح فكرة الفرد المختلف فكرة مقبولة لدى البعض ومستهجنة لدى البعض الآخر وهو ما يفتقده في مجتمع الخارج الذي يمارس الإقصاء الكلي لكلّ إختلاف ضمن تقييمات إجتماعية صارمة ذات صبغة إلزامية لا يجب الخروج عنها وكأنّ رفضها هو رفض للمجتمع أستحضر في هذا السياق عبارة ” داخل كلّ فرد يسكن مجتمع” .

المتأمل في صفحات الفيسبوك لعديد الأصدقاء يرى تنوعا رهيبا بين أبناء الوطن الواحد مما يطيح بمقولة أن المجتمع التونسي كتلة متجانسة في الثقافة والأفكار والتقاليد فقد عرّى الفيسبوك على سبيل المثال هذه الحقيقة العارية من الصحة لنقف مطولا على أننّا مجتمعات صغيرة تسكن هذا المجتمع وأنّ الثقافة الرسمية لا تلزم أحدا سوى النظام الرسمي الذي يحاول الإبقاء عليها رغم إهترائها .

نلاحظ أنّ الشبكات الإجتماعية لعبت دور طقوس العبور في حيوات بعض الأفراد منّا :

من الواقع الرافض إلى الواقع القابل
من الوحدة والإقصاء إلى التشارك والمشاركة
ومن التأثر إلى التأثير

لا ننسى أنّ هذه الشبكات لعبت دورا أساسيا في تعرية الأصوليين وزيف خطابهم فيما يخص العيش المشترك والمساواة إذ لا ننسى الحملة التي قامت بها بعض الصفحات الرجعية ضدّ الشهيد شكري بلعيد والحقيقة فقد إنتهى شكري على الإفتراضي قبل الواقعي فلم تكن رصاصات الغدر سوى ترجمة لكلمات التكفير والإتهام بالرّدة .

يمكن إعادة القراءة في الثقافة الرسمية إنطلاقا من عيّنات على الشبكات الإجتماعية حتى نستطيع تفكيك شخصية التونسي والعربي ما بين الواقع والافتراضي وما تمثله هذه الثقافة من ثقل نفسي يكبل الفرد ويمنعه من التحرر فالإفتراضي شقيق الواقعي حتى وإن تملص البعض من هذه الحقيقة .
كتبت خولة الفرشيشي

Facebook

1 Comment

  1. mohammed

    اتفق معك تماما العرب في حالة انفصام حقيقي وتام بين انفسهم وثقافتهم وبين الغرب ومحاولة تقليدهم لكن هذا شئ طبيعي الدول المتخلفة ثقافيا تكون تابع وامعة الكون

    Reply

اترك رداً على mohammed إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *