قبل أشهر قليلة أصدرت وزارة التجارة التونسية يمنع بقاء المواطن بالمقهي أكثر من نصف ساعة للحث على العمل وتنشيط الدورة الإقتصادية ،ظل القرار مرسوما شكليا لا يعمل به فعليا ومازالت المقاهي على حالها تستقبل الزبائن يتحادثون ويتناقشون لساعات طويلة حول مواضيع عديدة أولها السياسة خاصة أنّها صارت متاحة للجميع بعد 14 جانفي ليمتدّ إلى الإقتصاد والكرة وغيرها من المواضيع الهامشية والمهمة .
في بعض مقاهي تونس تجد نوعا من المثقفين والمثقف هنا هو من قرأ كثيرا ويتقن الحديث والصراخ أحيانا وطبعا لا يفوتكم أن يتباهى بإنجازاته ونضالاته في سنوات الجمر وكأنّه ينتظر جزاء أو شكورا من عموم المواطنين يطرح السؤال الشهير : أين كنت قبل 14 جانفي وبناء على إجابتك يعطيك صكّ الوطنية أو صكّ العمالة فهذا المثقف يعتبر نفسه مركز العالم يقرأ العالم من زاوية نظره وإيّاك أن تتدخل فيما يقول فأنت جاهل أو عميل أو إختر بين المنزلتين منزلة تليق بك وترضي سيّدي المثقف .
هذا المثقف يجلس ساعات طويلة بيده جرائد وكتب وسجائر وبقايا فناجين قهوة أحيانا له مظهر خاص به كشعر طويل مجعد ولوك مميّز عن بقيّة العامة يحاول أن يتمايز به فهو يحاول التمايز عن بني جنسه بأيّ حال من الأحوال ليوهم نفسه والاخر أنّه مهم جدّا ورأسماله شعارات وأقاويل وجمل وقصائد أحيانا وكتب نشرها يحاول بيعها فالمكتبات في البلد فشلت في تدويل كتبه والأهمّ من هذا هو مثقف مصاب بلعنة المؤامرة الكلّ يتامر عليه لإفشاله وإفشال مسار البلد أيضا يجلس مثقفنا في أيّ مقهى يصطاد أيّ فريسة سهلة أن تتقن الصمت والإذعان لحديثه الطويل الممل .. تجلس الفريسة أمامه فيحدّثها عن الأحداث الأخيرة عن قرب إنهيار المعسكر الرأسمالي وتنامي قوى اليسار في العالم … إيّاك أن تنتقد اليسار ورمزه فأنت عميل أو جاهل .. فقط إستمع فهو فقط من يرتب لك العالم في أقل من ساعة يختم ترتيب العالم بأبيات من شعر درويش أو مقولات جيفارا يحمسك على الثورة التي ستندلع قريبا فهي الثورة التي ينظر لها منذ زمن وهو لن يتركها فريسة لليمين الحداثي أو الرجعي .
خولة الفرشيشي
