arablog.org

أبو ذر الغفاري إشتراكي في زمن الإقطاع

بدأت الدعوة الإسلامية في بدايتها قبل فتح مكة بنشر شعارات المساواة والعدل بين سادة قريش ومستضعفيها سواء كانوا من العامة أو من العبيد ،بهذه الشعارات تم حشد العديد من الصحابة المدافعين عن جوهرها وقيمها من عدل ومساواة وعدم إكتناز الأموال وإسعاف للمساكين والتواضع لهم .

بعد الفتح تخلى قادة الإسلام عن هذه الشعارات لصالح بناء الدولة والتوسع لنشر رسالة الإسلام وحتى بعد الفتوحات المتواصلة تجاهل القادة هذه الشعارات ويظهر هذا خصوصا في عهد “عثمان بن عفان ” بعد إستئثار بني أمية قبيلة الخليفة الثالث في عهد الخلافة الراشدة بأموال المسلمين وقد إتسمت سياسة بن عفان بمحاباة أهل القرابة .

تحولت هذه الفتوحات عمليا لتكديس الثروات التي حجبت عن معظم جماهير الدولة الناشئة لصالح الطبقة الأرستقراطية القريشية ، فخلق هذا الوضع تناقضا طبقيا بين أقلية تملك الثروات الفاحشة وأراض تتعدى حدود الجزيرة العربية وبين أغلبية تعيش على الكفاف .

كل هذه التناقضات مع جوهر الإسلام خلقت معارضة تشكلت من وجوه الصحابة رفضت ما إنساق إليه القادة المسلمين من بذخ وإستئثار على حساب شعارات الإسلام الناشئ .

هذه المعارضة مثلت النخب الرافضة التي إختارت المقاطعة السياسية والإبتعاد عن الشأن السياسي إقتناعا منها بقيمة المبادئ والقيم التي تعتنقها وتصديا معنويا لتحريف شعارات العدل والمساواة لصالح الأقلية الحاكمة ، من بين الصحابة المقاطعين لطبيعة الحكم القائم على التفريق والإنحياز لطبقة دون أخرى : عمار بن ياسر وعبد الله بن مسعود وأبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي في نص هذا المقال سنتعرض للشيوعي الأول قبل أن يخترع ماركس نظريته ” أبو ذر الغفاري” .

كان بدويا من منطقة كنانة ويعتبر من أتباع النبيّ الأولين إبتدأ نشاطه المعارض مع خلافة عثمان بن عفان وما إعتراها من مظاهر الفساد المالي والإداري الذي لم يكن معهودا خلال العهد النبوي وفي عهد أبي بكر وعمر بن الخطاب من هنا نتبيّن خلفية أبي ذرّ الفكرية التي تقطع مع الإنتهازية الحاكمة لصالح العدالة الإجتماعية أو مجتمع الفقراء .

كان أبو ذرّ الغفاري وفيّا للتراث النبوي ويظهر ذلك في مواقف متعددة مثل هجرته من المدينة نتيجة للتوسع البناء والعمران فهرب أبو ذر الغفاري من المدينة مردّه حديث منسوب للرسول ” إذا بلغ البناء سلعا فالهرب ” .

من أقواله المنددة بالفروقات الطبقية “بشر الذين يكتنزون الذهب والفضة بمكاو من نار ” ، ” يا معشر الأغنياء واسوا الفقراء ” ، ” عجبت لمن لا يجد القوت في بيته خرج ولم يشهر سيفه ” .

يعتبر أبو ذرّ الغفاري الصوت الأكثر بروزا في معارضة عثمان بن عفان وسياسته التي كانت حسب رأي أبي ذر غاشمة ولا ترضي الله من بذخ زائد وأموال توزع على أقربائه ومواليه .

لعب أبي ذرّ دور المعارض الفاعل ولم يكتف بالمقاطعة والصمت إذ خاطب رؤوس السلطة الحاكمة ليبيّن مساوئ حكمهم منها موقفه من معاوية وإنتقاده في بناء قصر الخضراء بدمشق وموقفه من عثمان في محاباته لبني أميّة رغم قتلهم لعدد من المسلمين في بدايات الدعوة الإسلامية .

من الأحاديث التي تندرج ضمن معارضته للأمويين حديث عن ال أبي العاص ” إذا بلغ ال أبي العاصي ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا وعباده خولا ” وهو ما يفيد سرقة أموال المسلمين والإستئثار بها وتشريع الإستبداد في حكمهم .

لم يحاول أبو ذر الإستفادة من الأموال التي كانت تعرض عليه سواء من عثمان أو معاوية لثنيه عن المعارضة ونقد السلطة القائمة وقد أورد هادي علوي في كتابه ” المستظرف الجديد ” بعض مواقف أبي ذر الغفاري التي تقطع مع الإنتهازية الحاكمة من ذلك ما ورد أنّ عثمان أرسل ثمانين ألف دينار إلى أبي ذر مع أحد عبيده وقال له : إن قبلها منك أبو ذر فأنت حرّ ” فذهب العبد إلى أبي ذر وعرضها عليه قائلا ” يا أبا ذر إقبلها فإنّ فيها عتقي ” فأجابه أبو ذرّ : إم كان فيها عتقك إن فيها رقي .

فضل أبو ذر الغفاري التعايش مع هموم الفقراء والتشفع لهم إذ يقول المفكر التونسي هشام جعيط عنه : قدم أبو ذر الغفاري بمنفاه وبعذاب وحدته وبإحتجاجه شهادة رائعة على رفضه الغنى وحبّه للعدل والإخاء .

كتبت : خولة الفرشيشي

abou darr (1)

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *