arablog.org

إنتحار الأطفال بتونس يفضح حيف الدولة

عمل المشرّع التونسي على صون حقوق الأطفال وحمايتهم من العنف والإستغلال ويعتبر المشرّع التونسي من أكثر المشرّعات تقدمية في المغرب الكبير والعالم العربي ولكن يبقى التباين شاسعا بين القانون والواقع فمازال إلى اليوم عدد كبير من الأطفال ينقطع عن الدراسة لقلة الموار المالية ويلتحق بمهن شاقة لا تتناسب مع بنيته الصحية ومازال عدد كبير من الأطفال يمارس ضدّه العنف داخل العائلات والمؤسسات التربوية ومؤخرا في سنة 2014 شكل إنتحار الأطفال ظاهرة مفزعة إذ بلغ عدد حالات الإنتحار إلى 18 حالة وتواصلت مع السنة الجديدة إذ أقدمت خمس فتيات هذا الأسبوع من منطقة بازينا من ولاية بنزرت على محاولة الإنتحار .

يطرح السائل كيف يمكن لطفل أن يقبل على الإنتحار كحل لحياته هل وصل الطفل إلى مرحلة الوعي والنضج بما يعيشه مثله مثل البالغ العاجز الذي ترك كل شيء وراءه خوفا وعجزا وإختار الموت ليريحه من المشاغل والمسؤوليات … ؟ هل كبر الطفل في تونس إلى درجة أنّه لم يعش طفولته في اللعب والبراءة والحلم بل أجبر على تعويضها باليأس والحزن ؟.

المتأملّ في حالات الإنتحار يرى أنّها حدثت بأشدّ المناطق فقرا بتونس وهو ما يحمّل الحكومات المتعاقبة بعد 14 جانفي المسؤولية قبل غيرها نذكر أن حراك 17 ديسمبر إنطلق أساسا من حادثة إنتحار محمد البوعزيزي بعد تعرّضه للظلم والمهانة بعدها إنطلقت المسيرات والإحتجاجات تحت راية الشعارات الإجتماعية وأولها العدالة الإجتماعية ، بعد خمس سنوات من إسقاط رأس النظام مازالت المناطق الفقيرة فقيرة ومازالت المناطق المترفة غنيّة ومازال الفقير يعيش غربته في بلاده يعمل ولا يفي أجره بمتطلبات أدنى الحياة الكريمة .

لماذا تحملّ الدولة المسؤولية في حالات الإنتحار ربما يتبادر هذا السؤال إلى ذهن أحدكم لسبب بسيط لأنّها جعلت من الحيف شعارها وطبقته بين مناطق البلاد فخلقت من ظلمها مناطق الرفاه الإجتماعي ومناطق الفقر والقهر .. مناطق تنتج كبار الموظفين لأنّهم تمتعوا بفرص التعليم والصحة ومناطق أخرى تنتج الخدم وعمال الحضائر لأنهم حرموا من التعليم نذكر هنا حادثة إنتحار فتاة الثانية عشر شيراز بمنطقة العلا من ولاية القيروان هربا من ظروف المبيت القاسية ومن ظروف أهلها المادية حتى لا تحملهم ما لا طاقة لهم نحن لا نتحدث هنا عن دولة إشتراكية بل نتحدث عن دولة ديمقراطية تطبّق مبدأ تكافؤ الفرص في الصحة والتعليم بين جميع أطفال الجمهوية كالشمال والجنوب كما الوسط فمسؤوليتها أخلاقية تجاه مواطنيها دافعي الضرائب ولكن يبدو أنّ الأمر في تونس مختلف فأطفال بعض المناطق أقلّ درجة من المناطق الأخرى رغم أنّ أوليائهم من دافعي الضرائب أيضا نكر هنا معاناة أهالي بعض ولايات الجنوب في مجال الصحة إذ تفتقد ولاياتهم على مؤسسات صحية جيّدة تمكنهم من العلاج دون الحاجة إلى النقل مئات الكيلمترات إلى ولايات أخرى .

كل ما سبق يجعلنا أن ندقّ ناقوس الخطر ألف مرّة والعمل على تعديل المناهج التعليمية من التلقين إلى التفكير والنقد والإعتماد على الأسلوب التفاعلي قبل أسلوب الحفظ والخوف ومتابعة الإعلام ومضامينه خاصة تلك الرسائل السلبية والتي ظهرت مؤخرا فيما يخص إضراب الأساتذة إذ عمدت بعض الوسائل الإعلامية على حشد الكره الشعبي للمربين والعمل على إصلاح الأسرة التونسية التي تعاني من التفكك الأسري وغياب التواصل بين أفرادها .. كلّ هذا مسؤولية الجميع من أفراد ومؤسسات وعلى الجميع أن يتحملها خاصة الدولة التونسية التي عليها اليوم النظر بعيدا عن مناطق الساحل والشمال إلى مناطق أكثر بعدا وبؤسا والعمل على الإصلاح الجذري على أرض الواقع لا في وسائل الإعلام .

كتبت خولة الفرشيشي
ecole

ملاحظة : هذه الصورة أثناء عملي مع مجموعة من الأطفال بمقرّ عملي

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *