arablog.org

المرأة الريفية بطاقة عبور لثقافتنا التونسية

قلما حظي الجسد بدراسة كاملة تناولته كموضوعا معرفيا وذلك لكثرة المحاذير الاجتماعية و الدينية و الأخلاقية التي لا تزال ترى في الجسد قيمة مادية دونية يتحرج عنها الفرد في الحديث عنه و يترفع ليضمن الاحترام و الود من الآخر في مقابل تحركه في الفضاء الاجتماعي بأريحية دون عراقيل و مخاطر لأن موضوع الجسد يعتبر تابوها مغلقا شديد الإحكام مستندين على الأسطورة الدينية أن الجسد مصدره الخطيئة و الشهوة التي طردت ادم من الجنة.
هذا بصفة عامة , أما جسد المرأة فقد حظي بأكثر من التحقير و التهميش في ثقافتنا العربية الإسلامية للإرث الديني والاجتماعي الذي يحمله كل منا مما يجعل المرأة تعيش في سجن كبير من المحاذير و الموانع التي شيطنت المرأة و قزّمت من مرتبتها لصالح الرجل استنادا على أسطورة طرد ادم من الجنة بإيعاز من حواء ونجد هذا في موروثنا الشعبي التقليدي أن حواء *زريعة إبليس * من كونها فتنة و مصدر خراب وفساد في المجتمع وفي المقابل نقف على محاولات جدية و متجددة على مر العصور في إقصاء المرأة و جسدها من الحياة العامة بغطاء ديني و إجتماعي و الإرث الذكوري السطوي و الاستبدادي الذي يسعى في إزاحة المرأة من الفعل الإجتماعي و تجنب مزاحمة الآخر _الذكر_ في الوجود الإبداعي و المبتكر.. ورغم أن المرأة قد أثبتت وجودها بشكل فاعل في العمل و في شتى المجالات الأخرى.
فلا يمكن فصل الجسد عن ذواتنا و تاريخنا حيث تلازم معهما و لم ينفصل عنهما إلى يومنا هذا لأن الجسد شكل وعاء ثقافيا و اجتماعيا أفرغ فيه الإنسان على مر العصور أنماط سلوكه و ثقافته.
من ناحية أخرى يجب الإشارة أن لغة الجسد سابقة للغة اللفظ فهو الذي يربط بين الإنسان و عالمه وهو جملة التعبيرات التي تبني و تؤسس العلاقة مع الأخر و الجماعة و يمثل كل علاقات و تفاعلات الفرد مع محيطه فلا داعي إلى تجاوز موضوع الجسد تحت أي مسمى من المسميات و السعي إلى تمزيق حاجز الصمت و المنع و البحث في اللامفكر فيه و استنطاقه لمراجعة تأويلاتنا و نظرتنا تجاه الجسد لما يحمله من أبعاد مادية ثقافية أو اجتماعية.

تناولت عديد الأبحاث جسد المرأة في إطار البحث الاجتماعي أو الفلسفي و ذلك لترسبات و تراكمات تاريخية تمتد إلى عصور تسبق الإسلام و لما فيه من إغراء معرفي لكسر حاجز المسكوت عنه و مقارعة المحرم الاجتماعي بحجج علمية صرفة .

و لكن لم نجد دراسات تبين أن جسد المرأة في قرانا و مدننا التونسية هو بطاقة عبور لثقافتنا التونسية وهو مخزن و مستودع لثقافتنا المحلية صرح به بصفة علنية على أجساد نسائنا.
فالمهتم بأحوال جسد المرأة يلاحظ حضورا بارزا على مستوى الأدوار و غيابا على مستوى القراءات العلمية والمتعلقة بمضمار حياة المرأة الريفية التي تتحرك في عالم ضيق بالقوة مفتوح بالفعل لأنها تجاوزت كل الحدود ورسمت شخصية مستقلة تتحرك بها و فيها في مجالات مختلفة من الواجبات العملية وصولا الى الابداع و الفن كالغناء الكافي وصناعة الملبس التقليدي و الذي يعتبر من مقومات الثراث التونسي و أيضا صناعة الفخار و الذي يستبطن طاقات فنية هائلة المنتج من نساء الأرياف.

harayerrrr

علاقة المرأة الريفية بجسدها غير علاقة المرأة بتونس بجسدها فهي علاقة مختلفة أشد الاختلاف فالريفية تطبع تاريخها و تراثها على جسدها و تكتبه بطرق مختلفة ولا تزال تحتفظ به رغم المتغيرات التي حدثت و ما تزال تحدث بواقعنا المعيش.

فما تمارسه المرأة من عمل في الأرياف من المشاركة في الزراعة والحصاد وتربية الماشية و رعي الأغنام والإهتمام بعمل البيت إطعام الدواجن والأرانب والكلاب وطبخ الأكل لعائلتها وغيرها من الأعمال اليدوية الشاقة والتي تعتبر نسقا إجتماعيا كاملا يعكس الوعي بقيمة المرأة الريفية فهي ليست تلك المرأة الدونية الضعيفة بل هي أكثر من شريك في دورة الحياة هناك ووجودها لا يقلّ أهمية عن وجود الرجل ، فجسدها ليست فتنة وليس عليها أن تخفيه خوفا من شهوة الرجال فيها فإنحناء جسدها للعمل لتحصد أو لترحي الحبوب وليس خوفا من نظرات الريبة والشكّ بل من أجل الخبز والحياة في كثير من القرى التونسية تجد نجد نسبة إختلاط النساء بالرجال عادية وليست محرّمة على عكس بعض المدن وكأنّ الريفية تجاوزت محنة الغواية إلى فرض قيمة العمل بعيدا عن التقسيم الجنسي فهي جنبا إلى جنب في الحقول تزرع وتجني لا تبالي بتكوّر بعض أجزاء جسدها وما سيحدث هذا في نظر زميلها الرجل فهي الأكثر مسؤولية من الرجل في توفير الأمن الغذائي لعائلاتهن علما وأن بعض الأرياف في الشمال التونسي تعمل النساء ويجلس الرجال في البيوت وكأنّها مجتمعات أمومية ولكنّ الثقافة الغالبة ضمنيا هي ثقافة سيطرة الذكور حتى ولو كانوا عاجزين عن توفير الأكل لعائلاتهم .

تحتل المرأة مكانة إجتماعية هامة في الأرياف وترتبط دورة الحياة بوجودها فجسدها لغة ثانية تحكي الحياة في ذاك المجتمع و التمثلات الجماعية فالمرأة في الريف ليست بإمرأة بيت و أم أطفال فقط بل هي أيضا عاملة في مواسم جني الزيتون و مواسم الحصاد لها ثقافتها الخاصة و تمظهراتها الثقافية تختلف عن باقي نساء المدن الأخرى و جسدها ليس هذا الجسد الذي سبق أن تحدث عنه بالسوء في مخيالنا التراثي بكونه جسد فتنة يثير الشهوات بل هو جسد ينتج خبزا وحياة وفنا و إبداعا .

كتبت خولة الفرشيشي

sejnen

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *