arablog.org

ثروة الإعلام وإعلاميو الثــــــورة

عادة ما يعكس الإعلام الحالة المجتمعية بجوانبها السياسية والقيمية التي تعيشها المجتمعات التي ينبثق منها إذ يمكن أن نعتبر الإعلام المرآة العاكسة للمجتمع وهو ما يعطيه مسؤولية كبرى في المساهمة بشكل صريح أو مبطن في تكوين الوعي الجمعي للشعوب إذ يجب على الإعلام أن يقدّم الحقائق بموضوعية دون أن تؤثر فيها خلفياته الفكرية والسياسية والشخصية والإنطباعية ولأنّ الإعلامي ليس خارج السياقات التاريخية والتحوّلات الفكرية التي يعيشها مجتمعه فهو إنعكاس موضوعي للحالات السلبية والإيجابية التي تميّز محيطه وإذا قمنا بعملية إسقاط للمشهد الإعلامي التونسي بعد 14 جانفي نجد أنّه لا يختلف عن قرينه السياسي فأين وصل الشباب وماهي المكانة التي تبوأها في المشهدين ؟ إنّ قراءة بسيطة للحالة التونسية لما بعد الرابع عشر من جانفي تحيلنا إلى اللون الرمادي في الطيف اللوني الثوري فلا نحن حققنا حالة ثورية كاملة أنتجت ميكانيزماتها قيادات سياسية وإجتماعية وإعلامية شابة إنبثق عنها مشهد سياسي ثوري يحافظ على هوية الحراك الثوري الذي بدأ أواخر 2010 والذي إنطلق على أيدي الشباب ولا نحن حافظنا على الحالة السلطوية التي كانت تسود مختلف القطاعات في تونس التي إتسمت باستقرار موهوم نخر أركان المجتمع وهو ما تبيّن لاحقا في الإنهيار السريع لهذه المنظومة والتي تضرّر منها من كان خارجها وداخلها أيضا وأسقطت القناع عن شبه المعارضات مثلما عرّت شبه السلطة ، إنّ ما نعيشه اليوم حالة إنفلات وفوضى يمكن أن تكون خلاقّة في زمن لاحق لكنّها ذات بعد تدميري لواقعنا الراهن .

إذا نظرنا إلى مبحثنا اليوم المتعلق بالمشهد الإعلامي في تونس نجد أنّ بارونات إعلام النظام السابق بشقيّه المعارض والمعاضد مازالت تتحكم في المشهد الإعلامي وجزئياته وأنّ تحالفا موضوعيا تواصل من الزمن القديم ليسيطر على المشهد الإعلامي الجديد ، وأنّ هؤلاء البارونات تبادلوا مواقع النفوذ فالمعارضون صاروا في السلطة وإعلام السلطة صار في موقع شبه المعارضة بل أنّ المشهد تلوّث أكثر ليخرج من ثنائية الإستقطاب إلى إستقطاب متعدد يقوده بارونات المال الفاسد الذين إنفرط عقدهم بعد غياب قوة النفوذ التي كان يمثلها النظام السابق وصاروا هم يصنعون دوائر النفوذ المتعدد الذي صار يميّز المشهد السياسي ما بعد 14 جانفي وصار من الطبيعي عند التونسي أن يتحدث عن صحيفة رجل الأعمال هذا أو تلفزيون أو راديو رجل الأعمال ذاك مثلما صارت بعض الأحزاب أيضا ملكا لبارونات المال الفاسد داخل هذا المشهد السوداوي الطبيعي الذي يعيق كلّ تغيير داخل مجتمع ما .

mediaa

رغم إنسياق العديد من أبناء الجيل الجديد من السياسيين والإعلاميين وراء بارونات الميدانين بحثا عن الرزق والعيش الكريم وربّما الثروة ، حاول اخرون نحت تجربتهم الخاصة التي إستمدت مبادئها من حلم التغيير والغد الأفضل ومن شعارات الحرية والعدالة والكرامة التي لم تغب عن الشوارع التونسية والتي مازال شبابها يكتب على جدرانها شعاراته بعد مضيّ أربع سنوات على مسار التغيير بعيدا عن المال الداخلي الفاسد والمال الأجنبي صاحب الأجندة الذين صنعا رموزهما في الواقع الحالي ليكونوا مجرّد دمى سرعان ما فقدت مصداقيتها وطهرها الثوري المصطنع .

هذه التجارب الجدّية رغم قلتّها وتعثرها بسبب الحصار المفروض عليها بدأت اليوم تنحت مسارها بعيدا عن إملاءات القرارات القادمة من الغرف المغلقة وتحاول في نفس الوقت أن تكسب ثقة الجماهير في زمن إنعدمت فيه الثقة في كلّ الأنتلجنسيا في مختلف المجالات السياسية والإجتماعية والثقافية .

إنّ إستغلال تواريخ 17 ديسمبر أو 14 جانفي أو 23 أكتوبر من قبل البعض هي محاولة لإيقاف عقارب الساعة والسير ضدّ التاريخ ووأد الفكر الإنساني فالثورة هي فعل فطري متواصل منذ نشأة الإنسان لا تحدّده تواريخ أو أشخاص أو أزمنة وكلّ من يريد أن يقف ضدّ سيرورة التاريخ ستقتلعه عجلة التغيير القادم والمتواصل . إنّ الذي يعتقد أنّ تونس ستستقرّ على هذه الحالة هو واهم فشبابنا سيواصل مسيرة التحرر وسيبقى الحراك الثوري الميكانيزما الأول لبناء الوطن جارفة من أمامها كلّ رموز التلكّس والتخلّف والديكتاتورية .

خولة الفرشيشي

ملاحظة : نشر هذا المقال على صفحات جريدة العربي الجديد

modia

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *