arablog.org

الحريّة لا تخون فاطمة ناعوت

في زياراتي السابقة لمصر منذ ستّ سنوات كنت شديدة الحرص على إقتناء الصحف المصرية ومتابعة الأقلام النسائية المصرية وشرب القهوة في مقهى البورصة أو في زهرة البستان أو في الندوة الثقافية وغيرها من المقاهي التي تعجّ بالمثقفين والناشطين السياسيين المصريين كنت أجمع الصحف وأتوجه إلى هناك لقراءتها وأتصفح في ان واحد الوجوه المصرية ، ، كنت مولعة بقلم الدكتورة لميس جابر والأستاذة فتحية العسال و هناك تعرفت على الشاعرة الرائعة فاطمة ناعوت .. كنت أقرأ لهن بإنتظام حتى بعد عودتي من مصر إلى تونس ، أحببت شخصية فاطمة ناعوت المرأة المتمردة التي لم تأبه بالتقاليد البالية ،كانت فاطمة ناعوت نموذجا رائعا للمرأة المصرية في حياتها وفي كتاباتها ، إذ تكتب ناعوت الشعر والمقال الصحفي وتعزف على البيانو وتسافر في العالم وتعيش ببساطة وعفوية الشخصية المصرية في بيتها مع زوجها وأولادها ، وكأنّها تصلح صورة المثقفة في مجتمعات الجنوب التي تراها إمرأة لا تصلح للزواج والإنجاب ربما لأنّها خرجت عن سلطة القطيع وأخلاق العبيد .

كانت فاطمة ناعوت صوت الحرية في مجتمع يعيش على وقع ثنائية العسكر والإخوان وكليهما يتباريان في من يحمي الدين ومن يمثله أكثر من غيره وهو ما أثر بالسلب على قيمة الحرية في المجتمع المصري ، فحتى في عهد العسكر مازالت الحريات الفردية تعيش تدهورا فظيعا ، نذكر هنا الحملة التي إستهدفت المثليين وقبلها سجن المدونين وأشهر شباب الثورة بتهمة قانون التظاهر ، وهو ما أدّى إلى نكوص النقد وترسيخ حالة الجمود التي يعيشها المجتمع المصري على مستوى الحريات بشكل عام .

خرجت فاطمة ناعوت عن السرب وغردّت كما شاء لها قلمها فكتبت ونقدت التشدد الديني ، أدانت التحجر الديني والإنغلاق الفكري فكانت بقلمها تقارع وتحارب أعداء الحرية وكانت مع أقباط مصر قلبا وقالبا تدافع عن حقوقهم وتفضح من يتعدى عليهم ، فكنا نتنسم في كلماتها ضوعة الحرية ونحلم بغد مشرق ينبلج من مجتمعات الجنوب من مصر وتونس واليمن وسوريا ولبنان وليبيا والجزائر وغيرها من مجتمعات الجنوب المكبلة والمحتجزة في ذهنية القرن الأول للهجرة .

لم يعجب أداء ناعوت بعض الرجعيين في مصر ، فحوكمت صباح الأربعاء 29 جويلية بتهمة إزدراء الدين الإسلامي والسخرية من شعيرة إسلامية وهي” الأضحية ” ولم يكن دليل المحامي الذي قدّم ضدّها الشكوى سوى تدوينة نص أدبي على الفيسبوك ، خرجت ناعوت منتصرة من معركة أخرى ضدّ التشدد الديني بعد توضيح الأمر أمام رئيس المحكمة واستشهدت بعدة معاجم لغوية عن المجاز وأسلوب الكتابة الأدبية في العبارة التي كتبتها على حسابها الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” علما وأنّ مؤسسة الأزهر التي تتمتع بنفوذ كبير في مصر لم تعترض على تدوينة ناعوت كما إعترض عليها المحامي المدعي والذي يمثل في شخصه رجعية مجتمعات الجنوب ونيلها من كل محاولة تحرر من ربق الإستعباد والإنغلاق الفكري أو الديني .

naoute

ربّما تختلف مع الشاعرة والكاتبة الصحفية فاطمة ناعوت في كثير من مواقفها السياسية ولكن قطعا لن تختلف في أنّها إمرأة من النساء النادرات في مجتمعاتنا من تحدت العقلية والفهم القروسطي للدين والحياة وأشاحت بقلمها بعيدا عن الخراب والموت لتنشد الحرية ضدّ أعداءها ولتكتب دائما عن الحب والوطن والمرأة بنفس جميل يعكس شخصيتها المتفردة .

دخلت الشاعرة والكاتبة فاطمة ناعوت المحكمة صامدة شامخة وخرجت شاهقة لم يكسرها الخوف ولا التخويف ولا محاولات الرقابة ومحاكم التفتيش الجديدة على الضمائر والنفس والتي تفرضها العقلية الفقهية المتكلسة خرجت لتكتب من جديد وتكمل بقلمها مسيرة تحرير العقل العربي وتحرير الإنسان في مجتمعات الجنوب من الخوف والأصنام فمن امن بالحرية وقاوم من أجلها لا تخونه أبدا.

fatema naoout

كتبت خولة الفرشيشي

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *