arablog.org

مـدخل إلى فهم “داعـــــــــــــــــــــــــش”

صار الحديث عن التنظيم الديني المتشدّد “داعش” من العادات المكتسبة في تفاصيل يومنا عن جرائم القتل والإرهاب تحت راية الدين.. داعش الذي أصبح نجما إعلاميا يزاحم نجوم السياسة والفنّ في وسائل الإعلام التي تناولت تحليل ظاهرة داعش في أغلبها بثنائية تقديس الدين أي أنّ الإسلام بريء من أفعال هذا التنظيم وتدنيس الإرهاب وزهق الأرواح البريئة هذا دون أن يحرّك أحد ساكنا بالقراءة في تاريخنا العربي الإسلامي بخروقاته المادية التي نالت من روحانية الدين وسلميته.

لجرائم داعش امتداد تاريخي في التراث العربي والإسلامي وتكملة لمسيرة بعض الأسلاف في نشر رسالة الإسلام بالقوة وحدّ السيف سنحاول في نص هذا المقال أن نتطرّق إلى فهم هذا التنظيم بعيدا عن ثنائية التقديس والتدنيس.

عقوبة معاذ كساسبة عقوبة المرتدين في صدر الإسلام :

قام تنظيم داعش قبل أشهر قليلة بحرق الطيّار الأردني والذي اعتبره البعض جريمة العصر دون أن يبحث في أصول هذه الجريمة التي وثقتها بعض الكتب التاريخية كما وثقت الوسائل الحديثة جريمة داعش ضدّ الطيّار الأردني فقد احتوى التراث الإسلامي على عقوبة الحرق ضدّ المرتدين وقد اعتبر كساسبة في الذهنية الداعشية مرتدا على الإسلام وجب عقابه كما يجب وفي ما يلي جذور حادثة الحرق.

بعد مبايعة أبي بكر خليفة للمسلمين واجه الخليفة مسألة الردّة إذ اعتبرت بعض قبائل العرب دفع الزكاة للخلبة مذلة فانتهزوا موت الرسول ورفضوا دفعها وقد هدد هذا ميزانية الدولة الناشئة والخروج عن طاعتها وهو ما أوجب فرض هيبة الدولة الإسلامية بصرامة وقد كتب أبو بكر لخالد بن الوليد قائد حروب الردّة يقول: “فمن استجاب (أي دفع الضريبة) وأقر له وعمل صالحا قبل منهم ومن أبى يحرقهم بالنار ويقتلهم.. وأن يسبي النساء والذراري ولا يقبل من أحد إلا الإسلام فمن اتبعه فهو خير له ومن تركه فلن يعجز الله”، هنا تخلى أبو بكر عن تدينه ووداعته لتعوضها القسوة المفرطة وهو يعود إلى قمعية الشخصية الدينية التي ترتهن بوعائها السيكولوجي بالمكونات الثلاثة: نزعة القربنة وعقيدة الإبادة الجماعية وعقيدة العذاب الأخروي على حدّ تعبير المفكر العراقي هادي علوي.

عيّن أبو بكر الصدّيق خالد بن الوليد قائدا على الجيش لمواجهة الردّة فكانت الحصيلة جرائم حرب بشعة استعملت النار وعقوبة الإحراق علما وأن هذه العقوبة محرمة وقد ورد في تاريخ الطبري في الجزء الثالث أمثلة عن استعمال هذه الاليات خلال ذلك الصراع حيث قام بن الوليد بمعاقبة قرة بن هيبرة ونفر معه “ومثل بالذين عدوا على الإسلام فأحرقهم بالنار ورفضهم بالحجارة ورمى بهم في الجبال ونكسهم في الابار وخزقهم بالنبال”، وهي أعمال إبادة جماعية لم تحترم فيها حرمة الجسد البشري الذي شوّه بأقصى الات القتل وأبشع أساليب التعذيب وقد كان ذلك بمباركة أبي بكر الصدّيق الذي أمر بإعدام كل من إياس بن الفجاءة وشجاع بن الورقاء حرقا.

salaflaf

قام أبو بكر بتأسيس العنف المشرعن وتحليل ممارسته وقد أخذت ممارساته أبعادا أخرى بل وأصبحت القاعدة العامة التي تقوم على قمع المخالفين لرأي الحاكم وهو ما يحاول أن يلعبه تنظيم داعش : انّ دولته هي دولة الخلافة والإسلام الحقيقي وأن غيابه في دول أخرى يعني انتشار الكفر.

تواصلت جرائم داعش ضدّ الكرامة الإنسانية وهتك حرمة الجسد البشري، وسنحاول في مقاربة سريعة بين أشهر السفاحين في صدر الإسلام وبين أفعال داعش أن نصل إلى نتيجة أنّ الإرهاب لا زمن له.

الإرهاب لا زمن له: الحجاج ومن بعده داعش

عرف التاريخ العربي الإسلامي أبشع الجلادين الذين ساهموا في إضفاء الرعب على الدولة الإسلامية ومن أشهر هؤلاء الحجاج الذي تقلد مهامه مع خامس الخلفاء الأمويين عبد الملك بن مروان هو الحجاج بن يوسف من قبيلة ثقيف الحجازية أظهر ولاءه وحماسه للدولة الأموية وقد تنقل في عديد من الوظائف من الشرطة إلى الجيش وصولا إلى الإمارة التي مكث فيها عشرين سنة .ساعد الحجاج في إضفاء الإرهاب بنسبة أكبر ومنع الحديث عن سيرة الخلفاء الراشدين ابي بكر وعمر بن الخطاب حتى لا ينشغل الناس بالماضي ولمقارنة حاضرهم في حكم الأمويين الذي اشتهر بالقسوة والقمع الحكومي.

تنقل الحجاج في مناصب متعددة حتى استقرّ به المطاف واليا على العراق أيام كانت المعارضة مستعرة ضدّ الإرهاب الصادر عن الأمويين فقام الحجاج بقمعها بنزعة دموية ومتسلطة وقد وصل عدد ضحايا حكمة إلى مئة وعشرين قتيلا ضربا بالسيف و يذكر التاريخ أنّه أثناء دخوله العراق دخل الكوفة وقصد مسجدا وخطب في الناس مزمجرا ساخطا قائلا مقولته الشهيرة: “أما والله إنّي لا أحتمل الشرّ بحمله وأحذوه بنعله وأجزيه بمثله وإنّي أرى رؤوسا قد أينعت وحان قطافها وإنّي لصاحبها وإنّي لا أنظر إلى الدماء ترقرق بين العمائم واللحيّ”، فهو شخصية دموية يظهر حبها للدم وإسالته والتمتع بهذا الفعل الإجرامي وكأنّه فعل طبيعي لا ينتقص من إنسانيته بل يزيد من بطشه وعظمته خاصة وأنّه موكل من طرف الخليفة عبد الملك بن مروان في فترة شهدت معارضات ومحاولات للخروج عن حكم الأمويين كما مارس الحجاج التعذيب بطريقة الضرب والجلد واستعمل اليات مستحدثة كوضع الضحية عاريا على قصب مشقوق ويذر فوقه الملح ليزيد من درجة الالام التي تحدثها جروح القصب كما استعان بحيوانات مفترسة لإيذاء الضحية ولزيادة وسائل التعذيب كما أعدم النساء اللواتي نشطن بالمعارضة اقتداء بزياد بن أبيه الذي لا تقل سيرته إرهابا عن سيرة الحجّاج.

وقد توفيّ الحجّاج تاركا بسجونه ما يقارب خمسين ألف رجل وثلاثين ألف امرأة ولم يعرف عن الحجاج ذنوب كالزنا وشربه الخمر بل عرف أنّه حافظ للقرآن خاصة تلك الايات التي تحث على القتل والقتال . لقد خلنا أن إرهاب الحجّاج قد ولى وقد وثق في حوادث تاريخية وصارت سيرته من حكم الماضي الذي انتهى وأنهى مأساة ضحايا الحجاج إلا أنّ الحجّاج يعود بعد 13 قرنا إلى عصرنا الحديث هذه المرّة ليس وحيدا بل صحبة حجّاجين” اخرين . يظهر هذا في أبشع تنظيمات العصر الحديث ، تنظيم “داعش” الإرهابي الذي استمد من سيرة الحجّاج ركائز ومقومات ممارساته اليومية . لا يختلف عاقلان أن تنظيم داعش فاق بشاعة حكم هتلر والحجّاج طالما أن الفضائيات والتقنيات الحديثة وثقت هذه الجرائم حتى لا يستطيع فرد منّا نسيانها من رجم المرأة بموافقة ومباركة أبيها المتدين والمتهمة بالزنا بأحد أرياف سوريا في مشهد تراجيدي ..مرورا بإعدام 150 امرأة بالموصل بعد رفضهن لجهاد النكاح مع مجاهديه..وصولا الى ما فعله هذا التنظيم في حق نساء كوباني وحمل رأس المقاتلة التي استشهدت قبل أن يغتصبها مجاهد داعشي تنفيذا لما كان يفعله أسلافه مع السبايا . هذا ولا ننسى بيع النساء في سوق للنخاسة وأذكركم هنا أن الأزيدية وصل سعرها إلى 15دولارا.

جهاد النكاح: المقاتل الداعشي ناكح الشرف الاجتماعي

تحدثت وسائل الإعلام التونسية والعربية والعالمية عن انتشار جهاد النكاح في تنظيم داعش وعن خروج العشرات من التونسيات نحو الأراضي السورية والقيام بالجهاد ليس ضدّ الأعداء بل من أجل متعة وترفيه المجاهدين وقد وصلتنا بعض الشهادات الصحفية من طرف “مجاهدات” عائدات إلى تونس تؤكد أنّ ما يحدث هناك في سوريا يشبه كثيرا ما يحدث في بيوت الدعارة.

سنحاول قراءة جهاد النكاح من زاوية أخرى .كيف يمكن لفتاة اجتهدت في التديّن تقربا لله وطمعا في جنته أن تقدّم جسدها مضغة سائغة للرجال هكذا بسهولة ودون خوف من العقاب الأخروي!!! .. قبل هذا كلّه أسبغ الدين الإسلامي على الجسد الأنثوي قداسة حرم المرأة من التمتع به فهو ليس ملكها بل ملك الدين والعادات والتقاليد إذ يحكم كلّ هذا نظرة أخلاقية تقدّس الجسد العذري وتدنّس الجسد المجرّب الذي نال متعا كثيرة خارج إطار الدين والمجتمع.. إذ تحرص الفتاة المسلمة على عذريتها كحرصها على حياتها وتحرص الزوجة على صيانة عرضها المتعلق أساسا بجسدها، هذا حال النساء المسلمات في مجتمعاتنا إذ يرتبط الجسد الأنثوي بمضامين الشرف والكرامة وحمايته حماية للمجتمع كله وليس مجرّد حماية شخصية لأحد أفراده فالجسد في المجتمعات الإسلامية لا يحمل قيمة وجوده المتحرك في الفضاء الاجتماعي بل يحمل قيمة أخلاقية أوّلا و قبل كلّ القيم الأخرى، فإخلاص المرأة لزوجها فرض ديني على المرأة فكيف قبل وتقبّل المقاتل الداعشي خيانة زوجته وبل وبموافقته ؟

dazi

إنّ ظهور داعش في المشهد الحالي ونجاحها في استقطاب الشباب والرجال إلى درجة التفريط في شرفهم حسب القيم الإسلامية أي تسليم زوجاتهم للنكاح مع بقيّة المقاتلين كما فعل البعض يدعو إلى الريبة والشك في هذا التنظيم الذي قطع مع أخلاق الوعي الجمعي رغم أنّه يدعي الإسلام منبع هذه الأخلاق الجمعية المتعلقة بالشرف المناط بعهدة الجسد: إذ يصبح القتال وليمة لإراقة الدماء ولو كانت دماء الأطفال والنساء والمدنيين العزّل وأيضا لتنظيم حفلات جنسية حيث يتشارك الجميع في جسد أنثى واحدة فقط تنظم أوقات دخولهم عليها.. فالداعشي يظهر في صورة الناكح الذي فقد عقله بعد أن فقد قيمه وأخلاقه بالقتل والاغتصاب والسرقة.

إنّ البحث في أصل ظاهرة داعش يقتضي من الفرد أن يتخلص من مسلماته وأن يقرأ التراث بنظرة مغايرة وبطريقة موضوعية بعيدا عن إلصاق التهم بأمريكا وإسرائيل، ربّما قراءة هذه الظاهرة بشكل جدّي يمكن أن تنقذ أبناءنا من خطرها مستقبلا وتمكن من إنتاج اليات مواجهتها بطرق سلمية لا عنيفة كما يحدث اليوم.
كتبت خولة الفرشيشي
ملاحظة : هذا النص خلاصة بعض النصوص التي نشرتها بالمدونة .

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *