تلقيت دعوة للكتابة ..
يجب أن أستعدّ جيّدا .. الكتابة كما الرقص يجب أن تكون خطواتك متوازنة ومدروسة حتى تنتشي وينتشي الاخر معك حين يتابعك فمن أغراك بالرقص أغراك بالنشوة ..
خطوة خطوة سأرقص
وكلمة كلمة بل حرفا حرفا سأكتب ،
أكتب في الليلة ما قبل الأخيرة من شهر أغسطس .. شهر ثقيل الظل يأبى أن يخرج بسهولة كما الروح حين تتملص من الجسد .. سينتهي أغسطس وتنتهي أيامه الطويلة والحزينة .. وسينتشي الحبر حين يسيل من قلم راكد هجرته الأيادي البائسة واليائسة .. سيسيل وينهمر كزخات المطر على أرض عطشى إنتظرت أولى الزخات وسيسيل كدمع عاشقة تحتضن حبيبها بعد غياب ..
يدخل الخريف بعد إنتهاء شهر أغسطس منتفضا على ما تبقى من اثار فصل الصيف .. يحاول أن يزيح الخوخ ومشتقاته .. الخوخ بهرج فصل الصيف ومن لم يعرف الخوخ ولغته لن يعرف معاني الأنوثة ..
الخوخ شقيق الأنثى يتكور حينا وينبسط حينا اخر .. حامض حلو ناضج أو حامض كالأنثى تماما حين تقطفها في غير فصلها .. يروي عاشق على مسامع ثمرة خوخ تتصدر طاولته صحبة ديوان عتيق لنزار القباني يتمطق العاشق رضابه وكأنه يستعيد قبلة كنت قبل ثواني معدودة يقول بنغمة تراتيل عاشق هجرته حبيبته ،
الخوخ خجل من فعل الإستدارة
حتى لا يوشم بالخطيئة كشقيقه التفاح فإستدار قليلا ليشمخ كثيرا يتذكر شموخ نساء البلاد وشاعر البلاد المريض يدعو له كثيرا ،
يبتلع ريقه ويهمهم ثانية …
الخوخ ثمرة تحدّد مسار الشفتين في القضم فيضيع الرضاب بين الأحمر والأصفر لينتشي الحالم ما بين الحموضة والحلاوة ..
يقضم العاشق ثمرة الخوخ ويعيد الخوخ فاكهة تقضم على مهل ..
الخوخ نهد أنثى نضجت بين نار الجرح والحبّ ..
الخوخ لذّة المشتاق بعد حرمان وثمالة العاشق بين ثنايا الأصفر والأحمر
!!!
-الأصفر والأحمر يؤديان حتما إلى البرتقالي إيّاك يا صاحبي أن تؤمن بالأحمر فهو لون أعماقنا الوحشية وإنعكاس الدم المراق على أرصفة المدن البعيدة .. وإيّاك أن تدين بالأصفر لون باهت منافق كنفاق العسكر عند حديثهم عن الديمقراطية .. وما البرتقالي تسألني ؟؟
البرتقالي لون حامض يشبه حموضة أحلامنا .. لون مسالم إرتقى عن الدم والتوحش وعن النفاق والكذب عانق الشمس وتلوّن بالشفق … لا تشفق على الألوان فأنت لون الأرض ومعانيها ولا تصدّق عرافة تقول لك على عتبة بيتك إيّاك وهذا اللون .. وفخخ بيتك بكلّ الألوان ستبزغ الشمس هناك وسيعاشر قوس قزح الجدران والأشياء ولن يرحل أبدا ..
– دعك من الكنايات اللغوية ومن التعابير المجازية وحديثني ما الذي أتى بك بعد هذا الغياب .. هل جئت هنا من أجلي أو من أجل الأرض والعرض .. ؟
– وهل بقي من الأرض ما يستر العرض .. وهل بقي من الأرض ما يستحق الحياة عليها .. ؟؟
– لا داعي للدعاء والدعوات الجماعية للرحيل .. لا تقلقي لن أرحل .. لا تخافي سأظل هنا وستبزغ الشمس من كفيّ ..
وسيولد قوس قزح من بين أصابعي ..
كتبت خولة الفرشيشي
ملاحظة : هذا النص نشر بمجلة الشاعر الفصلية العدد السادس الصادر عن دار الأمل الجديدة دمشق 2015