عرفت الأوساط الطلابية واليسارية الفنانة الملتزمة امال الحمروني في ثمانينات القرن الماضي كعضو من أعضاء مجموعة البحث الموسيقى تحت إدارة الفنان نبراس شمام بقابس وكانت المجموعة تحيي حفلاتها في الأوساط النقابية والطلابية وتراجع نشاطها في تسعينات القرن الماضي بسبب الإنغلاق السياسي الذي شهدته تونس انذاك .
صدحت امال بأغاني الحرية للرفاق ، وأغاني العدالة الإجتماعية ، فهي لا تخفي خلفيتها اليسارية بل تباهي بها .. وكأنّها تقول نعم أنا أنتمي إلى الجماهير الكادحة وإليها أغني وأرفع صوتي عاليا من أجل حلم الحرية بين أغاني كول البسيسة وشمعة وقادة وهيلا هيلا يا مطر ومع نخلة وادي الباي أطلقت العنان لصوتها الجميل فأطربت الجمهور المتعطش إلى الفنّ الملتزم الذي يلتزم بقضاياه الحقيقية ولا يتخلى عن الصوت الجيّد واللحن الجميل .
تنوعت مسيرتها الفنية وأسست فرقتها الخاصة بها بعد خروجها النهائي من فرقة البحث الموسيقي تحت إسم “عيون الكلام ” مع رفيقها في درب الفنّ خميس البحري وغنت من أشعار الشاعر الكبير الصغيّر أولاد حمد والطيب بوعلاق والناصر الدريسي وثلة من فرسان الكلمة في تونس وعرفها الجمهور في كلّ المحطات النضالية ما قبل الثورة وما بعد الثورة التونسية في مدارج الجامعات ألهبت حماس الشباب الثائر وفي شارع الحبيب بورقيبة غنّت للشعب التونسي وللمرأة التونسية التي انتمت لها وعبرت عنها بشكل يندر أن تعبر عنه فنانة مثقفة ملتزمة.
بين أغانيها الخاصة وأغاني الشيخ إمام تنقلت امال الحمروني فأمتعت وأطربت ، من قال أنّ الشيخ مات فهو واهم فامال تمنحه الحياة في كلّ حضور جماهيري لها تغني له وكأنّه لم يبرح الحياة لحظة ومن يحبّ الشيخ إمام يحب مصر وامال صادقة في حبّها لوطنها تونس ولمصر أمّ الدنيا .
امال الحمروني صوت دافئ يسكن بين نبراته تفاصيل تونس التي نحبّ تونس الصبيّة الأصيلة التي تواكب العالم وتطوّره ولا تتخلف عن ركب الحضارة دون أن تتشوه أو تتشبه بأحد لها شخصيتها المتفردة ، كما امال الحمروني ،امال إمرأة جميلة وجامعية مثقفة والأهمّ منتفضة على الجمود والخضوع ، تغني وكأنّها ترفض وتغني وكأنّها تتظاهر أو كأنها تمضي البيانات الحماسية لا فرق بين أن تغني أو تناضل في جبهة التحرير ، المهم أن تكون ملتزما بقضيتك هذه رسالتها لمن يحبّ صوتها .
لم تفقد الفنانة الجنوبية أناقتها ونحافتها رغم مرور السنوات على ظهورها الأول وكأنّها تصرّ على أنّ الزمان لن يأخذ منها شبابها وجمالها طالما أنّها تبتسم وتغني فالغناء سرّ المقاومة ، غنّي وكأنّك تقاوم وقاوم كأنك تغني فالغناء سرّ الوجود و الشباب ربّما كانت هذه وصفتها السحرية لمن توّد أن تكون بنضارة وشباب الفنانة الجنوبية الأصيلة .
حاولت امال الحمروني ، في مسيرتها الفنية أن تختزل بين الكلمة والنغم وبين الفكرة والممارسة كل الأشياء هي تقدمية بأتمّ معنى الكلمة وهي من القلائل اللواتي لا يعرفن أن يكون الموقف أبيضا والفعل أسودا وكأنّها تعلن للجميع : يا أبيض يا أسود والرمادي شاهد زور فإيّاك من الزور ، يسارية الهوى والفعل لم تتغيّر امال الحمروني كثيرا عن ثمانينات القرن الماضي ومازالت تلك الفتاة السمراء التي تدير الرقاب وتشدو فينتشي الجمهور ويتلاشى تماما في حضرة حضورها الطاغي ومازالت مواقفها يسارية لم تتغيّر بعد امال ومازالت كما هي .
كتبت خولة الفرشيشي