arablog.org

في حمّـــــام النســـــــاء

في أيّام القيظ هذه ، تذكرت أنّي لم أذهب إلى الحمّام أشهرا بحالها خلالها إكتفيت بدوش البيت … فتحت خزانتي بحثت عن قميص الدانتيلا الأسود الذي أدخل به إلى الحمّام … وجدت قميصي مهترئا … عمره خمس سنوات ونيف لم أنتبه أنّه فقد جاذبيته كأشياء كثيرة فقدت قيمتها … ربّما لأنّ عراء الحمّام لم ينبهني إلى ما أستر به حالي في ذاك العراء العارم فلم أنتبه أنّه إهترأ كالكثيرين الذين يعيشون معك ولا تنتبه إلى حزنهم الخفي إلا صدفة … أنا محبوبة جدّا في حمّام الحومة وصاحبته تحبّني جدّا وتعاملني وكأنّي من بنات عائلتها ربّما لأنّي مهذبّة في غالب الأوقات وقليلة الحديث هناك …

كنت أدخل الغرفة الساخنة للتعرّق أدخل رجلي في سطل الماء الساخن وأتأمل قطرات الماء في السطح … أغرق في تفاصيل النساء في الأجساد المكتنزة كأنّهن بقرات سمان في السنوات العجاف … والأخرى النحيفة الهزيلة وكأنّ مجاعة حلّت بنا … في طبقات الشحم المتراكمة ربّما كهمومهن وفي تقاطيع وجوههن التي إندثرت في زحام عراء الجسد … في إمرأة تدعك جسدها بقسوة وكأنّها تؤنبه على كلّ الأخطاء التي إقترفتها وأخرى تتفنن في تدليل جسدها وكأنّه أغلي ما تملك … لا أعرف لماذا تجهد النساء في الحديث والصياح هناك ألا يصمتن قليلا فالبخار كفيل برفعك من على الدكانة إلى السماء عاليا … لا أتذكر يوما أنّي رفعت صوتي عاليا كنت أتحدث بإيماءة أو بإبتسامة خاطفة وفي أقصى الحالات بكلمة واحدة …
كانت النساء تتفنن في رفع أصواتهن ربما يتمردن على صمتهن خارجا ويتحدين سلطة الذكور هنا بين بعضهن البعض .. إرفعي صوتك تحرري وإنطلقي عارية بين الماء والصخور لا أحد سيمارس عليك الرقابة ولا أحد سيخرسك … تحرري لبضع ساعات قبل أن تعودي إلى سجنك … هل كان الحمّام إستراحة المحارب أو إستراحة السجين … ربما كان مكانا للتنفيس والترفيه قبل أن يعود إلى السجن والتدجين الإلزامي ؟؟؟

أطفال صغار ذكور المستقبل بين أحضان أمهاتهن يلعبون ببراءة ويشاهدون الأجساد العارية دون شهورة ستختزن الذاكرة صورا كثيرة للنهود والقوام الممشوق في مراهقة الكبت وربما سيمارس بعضهم على وقع هذه الصور الإستنماء … سيبحثون ويثقبون ذاكرتهم على أيّ ذكرى للجسد العاري في مجتمع يغطي اللحم الأنثوي ولا يراه سوى وجبة دسمة في وليمة الجنس ..

bainn

في سقيفة الحمّام تنقسم النساء إلى طبقات وهويات متعددة هناك من تستر نفسها بعد العراء الباذخ وكأنها تهيء نفسها للخروج وهناك من لا تأبه للحاضرات وتواصل حفلة العري دون إنتباه تلبس قطعها الفخمة في حركات مسرحية فنية وكأنها توّد أن تشهد بقية النساء أنّها متميزة عليهن ولو كان هذا ماديّا … وإمرأة أخرى تبحث بين الصبايا عن زوجة لابنها المتغرب تقيسها بعينيها في الداخل وتحكم عنها في الخارج وأخرى تتهيّا لحفلة الجنس مع زوجها التي ستبدأ مع أول دقائق الظلام فتتورد وجنتاها خجلا وتهتم بتفاصيلها الحميمية مع المدلكة فتنقش أسفل ظهرها فراشة وبين نهديها ورودا تتفتح مع لمسات زوجها .

حين دخلت إلى الحمّام منذ ثلاث سنوات بعد إنقطاع عنه منذ سنوات طفولتي لم أدخل إليه مستحمة بل باحثة في إطار دراسة ميدانية تخص رسالة الماجستير وبعدها أصبحت زبونة إلى حين أن إكتشفت أنّ أشهرا مضت دون الذهاب إلى هناك … بعد هذه السنوات من البحث الجامعي أصبحت أثق بدراسة الجسد الأنثوي كمظهر من مظاهر التحولات الإجتماعية والإقتصادية لمجتمعات الجنوب حين تحفر جيّدا في الجسد الأنثوي ستعرف جيّدا ذهنية المجتمع الذي ينتمي إليه .. إنّ الجسد بناء ثقافي يعكس القيم المجتمعية وثقافة المجتمع .

كتبت خولة الفرشيشي

hammam

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *