arablog.org

بين العسكر والإسلاميين .. مسافة حرية لا تقطع إلا بالدم !

إنّ الحديث عن النقاء التاريخي حول التراث الإسلامي وتنزيل جزء من الماضي في مقامات ومنزلات مثالية ومتعالية لا يحمل في طيّاته إلا دافعا ومحركا إيديولوجيا صرفا ، وهذا ما نلاحظه مع الحركات الإسلامية المتشدّدة كداعش أو القاعدة إذ تتعالى شعاراتها من أن العودة إلى السلف بداية الإصلاح والتغيير نحو الأفضل أو من خلال الحركات الإسلامية المدنية والتي تتلبس بالديمقراطية وحقوق الإنسان ، ولكنّها ترفع في الأصل شعارا برّاقا ” الإسلام هو الحلّ ” ، هو نفس الدين الذي تستخدمه هذه الجماعات لتكفير كلّ من إختلف معها أو شذّ عن طريق الشعار الأصلي ” الإسلام هو الحلّ ” أو من تجرّد من العباءات الفكرية المسبقة ، وإنكبّ على البحث في أصل الوقائع التاريخية بعيدا عن التقديس والتنزيه ميزة أغلب المسلمين، أستحضر في هذا السياق حادثة قتل المفكر المصري فرج فودة على يد قاتل جاهل لم يقرأ كتبه بل علم أنّه كافر عن طريق الأحاديث المحرضة عليه فكلّما إرتبط الإسلام بالسياسة كلّما إرتبط الإغتيال والقتل بالرأي المخالف ..

بعد تجربة دول الربيع العربي مع الحركات الإسلامية وتباينها من دولة إلى أخرى من حيث درجة تشددها أو تسامحها يطرح على الفرد تساؤلا مشروعا : هل يستحق العقل الإسلامي إلى عملية مراجعة في القرن الواحد والعشرين بعد نجاح هذه الحركات الماضوية في الإنتخابات الأخيرة .. هل يمكن أن يرتبط الدين بتجربة سياسية ناجحة لا تؤثر على التعددية وحقوق الإنسان والأهم كرامة المواطن بقطع النظر عن دينه أو جنسه أو لونه .. هل يعكس نجاح هذه التجارب أي تجارب الإسلام السياسي اليوم ماضوية العقل العربي وتكلسه رغم التقدّم الحاصل من حوله ؟؟

لماذا أصبحت المعادلة العربية قائمة على أساس الأمان الذي يؤسس للوجود والتواجد على الأرض : الحركات الدينية التي تمنح الأمان العاطفي لشعوب مسلمة أو للعسكر الذي يمنح الأمان المادي لشعوب جرّبت نار الإسلاميين وأطفأتها برماد العسكر الحارق كما عاشتها مصر مؤخرا ..

إنّ البحث عن دور الإسلام في الحياة السياسية يستدعي بالأساس الحفر في السيكولوجية العربية القائمة على الإنفصام المادي والروحي فهو نفس الفرد الذي يستخدم الفيسبوك وتويتر واليوتيوب وغيرها من الوسائط التكنولوجية الحديثة ويسبّ الكفار من إخترع كل هذا ويحرّم هذه الوسائط التكنولوجية بينه وبين نفسه ولكن لا يستغني عنها وهو الذي تنهمر دموعه أثناء خطبة جمعة عن الجهاد وحور العين ولكن إن تيسر له يزور أوّل علبة ليلية لقضاء سهرة ممتعة .. إنّ الفرد العربي يعيش التقدّم والحداثة من حوله ولكنّه للأسف ينفيهما داخله .

إنّ الوقوف على نفسية الفرد العربي يستدعي دراسات نفسية مكثفة لفك شيفرات هذه النفسية المعقدّة التي تلبس أحدث صيحات الموضة وتستعمل أحدث التكنولوجيات من أنترنيت وسيارات وطائرات وغيرها من الوسائل الحديثة ولكن إن نظمت الإنتخابات فإنّ الفرد العربي يدلي بصوته لأصحاب الخطاب الإسلامي وينكر التطور والحداثة التي إنعكست أيضا على مستوى البنية السياسيةإذ أصبحت الأحزاب الديمقراطية والمدنية ركيزة هامة لتسهيل الدين داخل الحياة الإجتماعية بين الدولة والفرد كضمان حق المعتقد والقيام بطقوس العبادة داخل الأماكن المخصصة لها دون أن يتدخل أو يتداخل ذلك مع الشأن العام للبلد .

نعود إلى السؤال الصفر : لماذا يقبل الفرد العربي على إستهلاك خطاب ماضوي ويعرض عن خطاب حداثي ؟؟ ربّما لأنّ عقله عدّل على بوصلة تعود إلى أربعة عشر قرنا ماضية أو ربّما يعيش بعقدة الذنب أنّه يعيش كلّ هذا التطوّر الذي يغضب خالقه ويجنبه جنّته .
في المقابل جربت شعوب الربيع العربي الإكتواء بنار الإسلاميين بحثا عن الأمان الذي سلبته الديكتاتوريات العربية ، الأمان الإقتصادي والنفسي أيضا خاصة وأن الميزة التي يقدّمها الإسلاميين عن أنفسهم أنّهم لا يسرقون أموال الشعب وأن خادم القوم سيّدهم وراعيهم أيضا .
نشير إلى أنّ مفهوم الرعية يرتبط أساسا لدى المواطن العربي بالتجارب السابقة في العصر النبوي والخلافة الراشدة من زهد الحكام وعدلهم فهو وإن شكل نوعا من النقص المواطني ولكنّه في نفس الوقت يمنح الأمان .. بعد فشل التجارب الإسلامية في مصر خاصة بحث الفرد العربي عن الأمان الذي نزعه الإرهاب والتشدّد الديني ليلتحق بركب العسكر الذي وإن سلب الحرية الجماعية لشعب فإنّه يمنحه الأمان بعد تنامي الخوف من الحاضر ومن المستقبل .

إنّ شعور الخوف مرادف لكينونة الفرد العربي والأمان ملاذه حتى وإن كان وهميا أو شكليا وكأن الحياة في هذه المجتمعات قائمة على الموت أو الصراع من أجل البقاء ربما يعود هذا إلى عدم وجود تجربة حرية قديمة أو ناشئة فكلما كان الحديث عن الحرية كان الحديث عن التجارب الماضوية وكأن الماضي درس لا يجب التغافل عنه أو إهماله في تشييد بناء الحاضر والمستقبل .

فالحداثة العربية هي وجه اخر من الهروب نحو الماضي وترقيع هذا المفهوم الحديث بإنجازات الماضي البعيد وهو ما يفسر بقاء الشعوب العربية ضمن بوتقة الإسلاميين أو العسكر وجها عملة الديكتاتورية التي تمنح الأمان لقصور الفرد العربي في تقرير مصيره وتركه لمن يملك السلطة .

إن الحديث عن الحداثة يلتزم الحديث عن الحداثة كقيمة كونية لا محلية تنقطع مع حدود العالم المسيّجة فيه لتنهار خارج هذه الدول .. ربما يكون الطريق إلى الحرية طويلا ومعبّدا بالدم ولكنه يمنح في الأخير مواطنا ناجحا يؤسس لوطن حرّ لا يعطي ولا يفرّط في حريته للأصوليات الدينية أو العسكرية تحت مسميات الأمان والعيش فقط من أجل العيش .

كتبت خولة الفرشيشي

liberte

3 Comments

  1. zinegheboulizineghebouli

    شكرا جزيلا على هذه التدوينة 🙂 كوني مهتما بمثل هذه المواضيع فالتدوينة مهمة للغاية بالنسبة لي. العقل العربي سلبيته هي الرجعية الفكرية يعني يعيش في القرن 21 بمفاهيم القرن 4 هجري، يعيش في عصر العلوم بفكر ابن تيمية، يعيش في عصر الطائرات و هو يحبها لكنه يود العودة إلى الإبل و الخيم، يعيش في عصر القوانين و لكنه يريد العودة للحكم بكتاب الجوزية، يؤكد أن العالم تغير لكنه يرفض الاجتهاد و نقد كتب مالك و الشافعي و ابن حنبل. هذا هو المشكل! الحل أين يكمن؟ يكمن في ابعاد رجال الدين عن اجتهادات العلوم الدنيوية، يعني أنت شيخ تكلم في الدين دون أن تحرض على العنف لكنك ابقى بعيدا عن علم المناعة و الطب و الفكر. أعتقد أن التنظيمات السياسية الإسلامية قد تنجح لكن إن قامت بتقديم برنامج جيد للحكم و مادام انها لم تفعل فهي لن تنجح أبدا. هناك شيئ يجب أن نؤكد عليه: الدين لله و الوطن للجميع، و لا مجال للمزايدات باسم الدين و العروبة. يعني يجب العمل معا مهما اختلفت أفكارنا و أدياننا من أجل النهضة بالبلاد، في بلادي الجزائر، الشعب لم يفهم هذا بعد و أخاف أن نسقط في فخ الإرهاب من جديد.

    Reply
  2. khaoulaferchichikhaoulaferchichi (Post author)

    كلماتك تحفزني أكثر على الكتابة والغوص في مثل هذه المواضيع .. مجرّد التفاعل مع ما أكتب يمنحني دفعا جديدا لأكتب الأفضل .. أعدك أنّ الاتي أفضل 🙂

    Reply
    1. zinegheboulizineghebouli

      هذه المواضيع تستهويني للغاية. رغم أنني أنتمي لهذه الأمة إلا أنني أرفض الكثير من تصرفاتها و أعتبرها أمة تؤمن بأن حل كل المشاكل يوجد في كتب السلف. أنا أيضا سأبدا عما قريب في نقد هذا الفكر الرجعي في مدونتي فنحن في الجزائر نعاني من هذه العقليات. سجليني متابعا دائما لكلماتك 🙂

      Reply

اترك رداً على zineghebouli إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *