arablog.org

لماذا تكتب المرأة في مجتمعات الجنوب … ؟

هل يمكن أن تمنح الكتابة قيمة مضافة لقضيّة المرأة في واقع ذكوري تميّز بالحيف ضدّها وإقصاءها .. وهل يمكن أن تساهم الكتابة بعد فضح الميز العنصري في تحرير المرأة أو أنّ الكتابة فعل ترف وبهرج لا يتعلق سوى بالبومي للكاتبة ورؤيتها الفكرية الذاتية التي لا يمكن أن تتقاطع مع المخيال الجمعي وقيمه التي تحظى بالتوافق … سؤال اخر لماذا تكتب المرأة في مجتمعات الجنوب ؟

في كلّ مرّة أطرح هذا السؤال لماذا أكتب وأنشر مقالا يتفاعل معه عشرات ومئات الأشخاص ثم ينسى ويركن في الرفّ مع الأشياء القديمة … لماذا أكتب ولماذا تكتب النساء في مجتمعات الجنوب التي لا يعيبها أن تكون ذكورية بل وتدافع عن ذكوريتها وتخترع في كلّ مرّة اليات حماية نظامها الذكوري الذي تاكل وإهترأ ولكنّه لم يسقط ولم ينهار مرّة واحدة .. ربما لوقوف الدين ورجاله إلى جانب هذا النظام الذكوري .

في مجتمعات الجنوب وقفت بعض النساء ضدّ التيار الذكوري وتحدين بالقلم والساعد ، كانت هدى الشعراوي من أول المصريات اللواتي في القرن التاسع عشر من تحدين أنظمة القهر ضدّ النساء فناضلت من أجل المساواة في مصر ربما لما إستبطنته من مشاعر الظلم والميز ضدّها ومن أقرب الناس إليها أقصد من عائلتها في طفولتها وصولا إلى زواجها في سنّ مبكر فحاولت الخروج عن سلطة القبيلة والمجتمع وقيمه التي تهضم حقوق المرأة فكانت أول خطوة في مشوارها النضالي إصدار مجلة ” إجيبسيان ” أي المصرية باللغة الفرنسية من بعدها ناضلت هدى الشعراوي في صلب هياكل نسوية تطالب بحقوق النساء .

كانت ظروف المرأة قبل أربعة عشر قرنا وإلى يومنا هذا في بعض مجتمعات الجنوب أشبه بمكانة البقر في مزارع الفلاح تعلف جيّدا لتحلب وتنجب عجولا دون الحديث عن ظروفها وحقوقها المهم أن تكون صامتة حتى لا تقتل وحتى لا تطلق فكلمة طالق قارة على فسخ العقد الزوجي إلى يومنا هذا في بعض بلدان الجنوب ذات الغالبية المسلمة لذلك كانت النساء يعبرن بالكلمة وفي تراثنا الشفوي ومن الذاكرة الشعبية توجد الأمثال والأغاني التي تعبّر عن وضعية النساءوخضوعهن لسلطة الرجل وأهله فكانت حفلات الزواج بمثابة حفلات تفجع وحسرة وبكاء مضمن بالزغاريد والطبلة .. ففي قريتي بالشمال الغربي كانت النساء تجتمع في أعراس وهي الفرصة الوحيدة لتجتمع الأخوات والقريبات ليتحدثن فمن تتزوج تخرج من بيت الأهل نحو مناطق بعيدة فعلقت هذه الأغنية بذهني :
قولوا ليامي ناس فريقة رحلوا بيا
قولوا لامي يامي نايا صغيرة وبرانية
قولوا لامي يامي ولد الناس واش جابوا ليا
قولوا لامي يامي امو واختو عملوا فيا
وقولوا لامي يامي ونهار العيد يسوط فيا

وهي أغنية قائمة على التفجع والحزن تغنى بصوت رخيم في أعراس قريتي بالشمال الغربي فتبكي المتزوجات رغم أنهن يحاولن إخفاء هذا نعود إلى التساؤلات الأولى : لماذا تكتب النساء هذا وقد أتينا على ذكر هدى الشعراوي ثم إنتقلنا إلى الذاكرة الشفوية بالشمال الغربي وهي ضرب من ضروب الكتابة وكلا النموذجين إشتركا في القهر الذكوري والظلم ضدّهما ولكن النساء إستبطن قهرهن وقبلن به وجعلنه مجرّد شكوى وحزن يبث في الأغاني ولكن هدى الشعراوي وكاتبات كثيرات جعلن من قلمهن سيفا لمحاربة الذكورية وقيمها الإنتقائية ضدّ النساء في مجتمعات الجنوب ومحاكمة ليلى بعلبكي قبل أكثر من عشرين سنة بتهمة الإبتذال في الكتابة وإثارة الغرائز يؤكد أن القلم النسوي جاهز للمخاطرة بحرية صاحبته لأنّها تؤمن بما تفعل فالكتابة هي أولى درجات الوعي وربما امنت بهذا امينة السبوعي والتي اشتهرت بفيمن فدونت على جسدها عبارة لن تنسى ولو بعد خمسين سنة حتى وإن ترهل جسد أمينة أو رحلت عن الحياة : جسدي ملكي وليس شرف أحد فالقلم يدون عن وعي ما تشعر به النساء أو الكاتبة رغم أنها تخاطب قلة قليلة جدّا في مجتمعات لا تقرأ بل تنتقد ما لا تقرأ وتهاجمه أستحضر في هذا محاكمة الطاهر الحداد من طرف شيوخ الزيتونة قبل قراءة كتابه .

المتأمل في كاتبات مجتمعات الجنوب : نوال السعدواي وخلود السباعي وصوفية السحيري ورجاء بن سلامة وزينب معادي وفاطمة المرنيسي وفاطمة ناعوت وكثيرات يجد أن الكل إشتركن عن غير قصد ودون وعي ربما في شعورهن بالإضطهاد تجاه الواقع الذكوري الذي سحق حقهن في التحرر والمساواة فهذا الواقع كما يستعمل السلطة السياسية لتفضيل الذكر على الأنثى يستعمل الدين أيضا لتبرير هذا التفاوت الحقوقي بين الجنسين في مجتمعات الجنوب .

ربما تساعد الكتابة في خلق متنفس للنساء اللواتي يشعرن بالظلم الذكوري ولم يتقبلن التبرير الديني والإجتماعي لسحقهن والتنكيل بهن تحت شعارات الخوف عليهن وحمايتهن وقوامة الرجال عليهن .. وربما تشكل الكتابة أولى لبنات الرفض لهذا النظام الذكوري القائم ما قبل الإسلام وما بعده وهي الأرضية الفكرية الأولى لإنطلاق مسيرة التحرر والإنعتاق الكلي من سلطة الذكورة وأفكارها الرجعية ضدّ النساء .

كتبت خولة الفرشيشي

khaw tar

1 Comment

  1. نكتب لنحيى
    أتمنى ان تصل الفكرة الى كل من تلقى بداخله صدى لنترك سويا معنى فى هذا العالم

    Reply

اترك رداً على ‎(عبد الرؤوف عبد السلام)‎ إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *