arablog.org

“حـان وقت الإقلاع” مع عادل قسطل في رحلة كتاب

كتيّب صغير الحجم لا تتجاوز صفحاته ال150 صفحة تحاول أن تسرع في قراءته لصغره ولكن ما تلبث أن تتوقف في صفحات وعند جمل إستوطنت كيانك .. تكمل القراءة ثم تعود لبعض الصفحات لتعيد القراءة .. هذا ما يفعله بك كتاب “حان وقت الإقلاع” للكاتب الصحفي عادل قسطل كبير المراسلين بقناة فرنسا 24 والصادر عن دار الشروق سنة 2014 .
ليس من السهل أن تمرّ بتجربة عادل قسطل الصحفية والإنسانية في صفحات الكتاب دون أن تستخلص بعض العبر والحكم ، فهو يحرّضك على المغامرة والطموح وكأنّه يهمس لك : إحتضن حلمك الجامح وإيّاك أن تروضه فهو على حق وما عليك سوى أن ترافقه في خطوات الجنون .. إيّاك والإنحياز لسلطة الواقع والمجتمع فهناك حسابات أخرى لا يتقنها الواقع أبدا .

على ظهر الكتاب كتب قسطل رسالته للإنسان في مجتمعات الجنوب : قبل ربع قرن, كنت أتمنى السفر ولو برا من الجزائر إلى تونس، آمنت بمهنة الصحافة وتمسكت بهارغم تكويني الأصلي كمهندس معماري. تمنيت زيارة بلدان كثيرة وتحقق لي ذلك. أهم درس تعلمته من هذه المغامرة الطويلة و الشيقة, هو قدرة الإنسان الجزائري على الإقلاع. لماذا ينجح الجزائري في الخارج و يتعب في بلاده؟ هل الحل هو الهجرة؟ التجربة الجزائرية توفر لأبنائها وقودا, و لكن من يشغل المحركات؟

من يشغل المحرّكات يقصد قسطل محركات الأمل والطموح والمثابرة للفرد في مجتمعات الجنوب التي تعلمه التواكل والإستسلام والخوف من كلّ جديد والتمسك بالأشياء السهلة ويحاول الكاتب في ثنايا الكتاب أن يجيب عن أسئلة الإنسان في هذه المجتمعات كيف أنجح وأحقق ما أريد بعيدا عن القوالب الجاهزة وعن الوصايا والحكم المتداولة عن القضاء والقدر ربّما الهجرة في أوطان تسلبك الحرية يقول عادل قسطل في أول الكتاب : ” الهدف في الحياة هو السعادة والبحث عن السعادة يبدأ بالبحث عن الحرية ، يهجر الناس أوطانهم لأنّها تسجنهم ، يخال للقارئ لأول وهلة أنّ الكاتب قد يئس من الإصلاح في هذه المجتمعات ولكن حين تكمل الكتاب تتأكد من رسالة الكاتب في تحريضه الإيجابي على التغيير من داخل البلدان والتحرر من القوالب الجاهزة ومن سلطة المجتمع .
في رسالته التوعية يمارس قسطل فعل الجلد على الإنسان الجزائري بقسوة أحيانا ربما لتصل رسالته بشكل أقوى وأنجع ، لعلّ الجزائر تنهض من سباتها ومن كبريائها بنقد موجوع بهموم البلد والمواطن وكأنّ الكاتب يطرح تساؤول شكيب أرسلان من جديد في القرن 21 بصياغة جديدة ومواكبة للعصر لماذا تقدّم الغرب فيما بقينا نحن على ما هو عليه : نجترّ الماضي ولا نعيش الحاضر ولا نفكر في المستقبل ؟؟

رواح قسطل بين تجربته في الصحافة وبين تنقله في العالم وبين أعلام الجزائر وشخصياتها التي ساهمت في تحريرها من الإستعمار الفرنسي وبين حالة الإنسان الجزائري في المهجر وما يعانيه من الإهمال يستعرض حوادث العنصرية والإغتصاب في الأحياء الفقيرة وحالة التشرذم العاطفي بين فرنسا البلد الحاضنة والجزائر البلد الأصل وتأثيراته على شخصية المهاجر الجزائري وكأنّه يعلن ضمنيا : الهجرة دون هدف ودون ثقافة وإنتماء حقيقي ليست الحلّ إنّ الحلّ الحقيقي هو أن تؤمن بنفسك بحلمك ببلدك وأن تغيّر من الداخل لا من الخارج.

كما يقف عادل قسطل وقفة ناقد موضوعي في حالة الجزائر اليوم ، وكأنه يختزل حالة الجزائر وحالة شقيقاتها في شمال إفريقيا وما تعيشه هذه الأقطار من حال التخلف والركود دون تغيير ودون إرادة حقيقية سياسية أو إجتماعية في التغيير .

رغم صغر حجم الكتاب إلا أنّه يظل عميقا إذ إحتوى تجربة إنسانية واعية بهموم الوطن والإنسان في مجتمعات الجنوب فهو ليس مجرّد كتاب بسيط تمرّ عليه وينسى إنّه مضاد للإكتئاب لتؤمن بما تفعل وتهمس سرّا أو جهرا : سأصبح ما أريد .. سأحقق حلمي !

كتبت خولة الفرشيشي

kastal

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *